{فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ} أي: في المدينة التي قتل فيها القبطي، {خَائِفًا} من قتله القبطي، {يَتَرَقَّبُ} ينتظر سوءا، والترقب: انتظار المكروه، قال الكلبي: ينتظر متى يؤخذ به، {فَإِذَا الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالأمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ} يستغيثه ويصيح به من بُعْدٍ. قال ابن عباس: أُتي فرعون فقيل له: إن بني إسرائيل قتلوا منا رجلا فخذ لنا بحقنا، فقال: ابغوا لي قاتله ومن يشهد عليه، فلا يستقيم أن يقضي بغير بينة، فبينما هم يطوفون لا يجدون بينة إذ مر موسى من الغد فرأى ذلك الإسرائيلي يقاتل فرعونيا فاستغاثه على الفرعوني فصادف موسى، وقد ندم على ما كان منه بالأمس من قتل القبطي، {قَالَ لَهُ مُوسَى} للإسرائيلي: {إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ} ظاهر الغواية قاتلت بالأمس رجلا فقتلته بسببك، وتقاتل اليوم آخر وتستغيثني عليه؟ وقيل: إنما قال موسى للفرعوني: إنك لغوي مبين بظلمك، والأول أصوب، وعليه الأكثرون أنه قال ذلك للإسرائيلي.{فَلَمَّا أَنْ أَرَادَ أَنْ يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُمَا} وذلك أن موسى أدركته الرقة بالإسرائيلي فمد يده ليبطش بالفرعوني، فظن الإسرائيلي أنه يريد أن يبطش به لما رأى من غضبه وسمع قوله: إنك لغوي مبين، {قَالَ يَا مُوسَى أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالأمْسِ إِنْ تُرِيدُ} ما تريد، {إِلا أَنْ تَكُونَ جَبَّارًا فِي الأرْضِ} بالقتل ظلما، {وَمَا تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ} فلما سمع القبطي ما قال الإسرائيلي علم أن موسى هوالذي قتل ذلك الفرعوني، فانطلق إلى فرعون وأخبره بذلك، وأمر فرعون بقتل موسى. قال ابن عباس: فلما أرسل فرعون الذباحين لقتل موسى أخذوا الطريق الأعظم.{وَجَاءَ رَجُلٌ} من شيعة موسى، {مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ} أي: من آخرها، قال أكثر أهل التأويل: اسمه حزبيل مؤمن من آل فرعون، وقيل: اسمه شمعون، وقيل: شمعان، {يَسْعَى} أي: يسرع في مشيه، فأخذ طريقا قريبا حتى سبق إلى موسى فأخبره وأنذروه حتى أخذ طريقا آخر، {قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلأ يَأْتَمِرُونَ بِكَ} يعني: أشراف قوم فرعون يتشاورون فيك، {لِيَقْتُلُوك} قال الزجاج: يأمر بعضهم بعضا بقتلك، {فَاخْرُجْ} من المدينة، {إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ} في الأمر لك بالخروج.