سورة القصص - تفسير تفسير البغوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (القصص)


        


{فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ} أي: في المدينة التي قتل فيها القبطي، {خَائِفًا} من قتله القبطي، {يَتَرَقَّبُ} ينتظر سوءا، والترقب: انتظار المكروه، قال الكلبي: ينتظر متى يؤخذ به، {فَإِذَا الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالأمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ} يستغيثه ويصيح به من بُعْدٍ. قال ابن عباس: أُتي فرعون فقيل له: إن بني إسرائيل قتلوا منا رجلا فخذ لنا بحقنا، فقال: ابغوا لي قاتله ومن يشهد عليه، فلا يستقيم أن يقضي بغير بينة، فبينما هم يطوفون لا يجدون بينة إذ مر موسى من الغد فرأى ذلك الإسرائيلي يقاتل فرعونيا فاستغاثه على الفرعوني فصادف موسى، وقد ندم على ما كان منه بالأمس من قتل القبطي، {قَالَ لَهُ مُوسَى} للإسرائيلي: {إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ} ظاهر الغواية قاتلت بالأمس رجلا فقتلته بسببك، وتقاتل اليوم آخر وتستغيثني عليه؟ وقيل: إنما قال موسى للفرعوني: إنك لغوي مبين بظلمك، والأول أصوب، وعليه الأكثرون أنه قال ذلك للإسرائيلي.
{فَلَمَّا أَنْ أَرَادَ أَنْ يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُمَا} وذلك أن موسى أدركته الرقة بالإسرائيلي فمد يده ليبطش بالفرعوني، فظن الإسرائيلي أنه يريد أن يبطش به لما رأى من غضبه وسمع قوله: إنك لغوي مبين، {قَالَ يَا مُوسَى أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالأمْسِ إِنْ تُرِيدُ} ما تريد، {إِلا أَنْ تَكُونَ جَبَّارًا فِي الأرْضِ} بالقتل ظلما، {وَمَا تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ} فلما سمع القبطي ما قال الإسرائيلي علم أن موسى هوالذي قتل ذلك الفرعوني، فانطلق إلى فرعون وأخبره بذلك، وأمر فرعون بقتل موسى. قال ابن عباس: فلما أرسل فرعون الذباحين لقتل موسى أخذوا الطريق الأعظم.
{وَجَاءَ رَجُلٌ} من شيعة موسى، {مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ} أي: من آخرها، قال أكثر أهل التأويل: اسمه حزبيل مؤمن من آل فرعون، وقيل: اسمه شمعون، وقيل: شمعان، {يَسْعَى} أي: يسرع في مشيه، فأخذ طريقا قريبا حتى سبق إلى موسى فأخبره وأنذروه حتى أخذ طريقا آخر، {قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلأ يَأْتَمِرُونَ بِكَ} يعني: أشراف قوم فرعون يتشاورون فيك، {لِيَقْتُلُوك} قال الزجاج: يأمر بعضهم بعضا بقتلك، {فَاخْرُجْ} من المدينة، {إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ} في الأمر لك بالخروج.


{فَخَرَجَ مِنْهَا} موسى، {خَائِفًا يَتَرَقَّبُ} أي: ينتظر الطلب، {قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} الكافرين، وفي القصة: أن فرعون بعث في طلبه حين أخبر بهربه فقال اركبوا ثنيات الطريق فإنه لا يعرف كيف الطريق.
{وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ} أي: قصد نحوها ماضيا إليها، يقال: داره تلقاء دار فلان، إذا كانت محاذيتها، وأصله من اللقاء، قال الزجاج: يعني سلك الطريق الذي تلقاء مدين فيها، ومدين هو مدين بن إبراهيم، سميت البلدة باسمه، وكان موسى قد خرج خائفا بلا ظهر ولا حذاء ولا زاد، وكانت مدين على مسيرة ثمانية أيام من مصر، {قَالَ عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ} أي: قصد الطريق إلى مدين، قال ذلك لأنه لم يكن يعرف الطريق إليها قبل، فلما دعا جاءه ملك بيده عنزة فانطلق به إلى مدين. قال المفسرون: خرج موسى من مصر ولم يكن له طعام إلا ورق الشجر والبقل، حتى يرى خضرته في بطنه، وما وصل إلى مدين حتى وقع خف قدميه. قال ابن عباس: وهو أول ابتلاء من الله عز وجل لموسى عليه السلام.
{وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ} وهو بئر كانوا يسقون منها مواشيهم، {وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً} جماعة {مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ} مواشيهم، {وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ} يعني: سوى الجماعة، {امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ} يعني: تحبسان وتمنعان أغنامهما عن الماء حتى يفرغ الناس وتخلو لهم البئر، قال الحسن: تكفان الغنم عن أن تختلط بأغنام الناس، وقال قتادة: تكفان الناس عن أغنامهما. وقيل: تمنعان أغنامهما عن أن تشذ وتذهب. والقول الأول أصوبها، لما بعده، وهو قوله: {قَالَ} يعني: موسى للمرأتين، {مَا خَطْبُكُمَا} ما شأنكما لا تسقيان مواشيكما مع الناس؟ {قَالَتَا لا نَسْقِي} أغنامنا، {حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ} قرأ أبو جعفر، وأبو عمرو، وابن عامر: {يصدر} بفتح الياء وضم الدال على اللزوم، أي: حتى يرجع الرعاء عن الماء، وقرأ الآخرون: بضم الياء وكسر الدال، أي: حتى يصرفوا هم مواشيهم عن الماء، و{الرعاء} جمع راع، مثل: تاجر وتجار. ومعنى الآية: لا نسقي مواشينا حتى يصدر الرعاء، لأنا امرأتان لا نطيق أن نسقي، ولا نستطيع أن نزاحم الرجال، فإذا صدروا سقينا مواشينا ما أفضلت مواشيهم في الحوض.
{وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ} لا يقدر أن يسقي مواشيه، فلذلك احتجنا نحن إلى سقي الغنم. واختلفوا في اسم أبيهما، فقال مجاهد، والضحاك، والسدي والحسن: هو شعيب النبي عليه السلام. وقال وهب بن منبه، وسعيد بن جبير: هو يثرون بن أخي شعيب، وكان شعيب قد مات قبل ذلك بعدما كف بصره، فدفن بين المقام وزمزم. وقيل: رجل ممن آمن بشعيب قالوا: فلما سمع موسى قولهما رحمهما فاقتلع صخرة من رأس بئر أخرى كانت بقربهما لا يطيق رفعها إلا جماعة من الناس.
وقال ابن إسحاق: إن موسى زاحم القوم ونحاهم عن رأس البئر، فسقى غنم المرأتين. ويروى: أن القوم لما رجعوا بأغنامهم غطوا رأس البئر بحجر لا يرفعه إلا عشرة نفر، فجاء موسى ورفع الحجر وحده، وسقى غنم المرأتين. ويقال: إنه نزع ذنوبا واحدا ودعا فيه بالبركة، فروى منه جميع الغنم، فذلك قوله: {فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ}.


{فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ} ظل شجرة، فجلس في ظلها من شدة الحر وهو جائع، {فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ} طعام، {فَقِير} قال أهل اللغة اللام بمعنى إلى، يقال: هو فقير له، وفقير إليه، يقول: إني لما أنزلت إلي من خير، أي: طعام، فقير محتاج، كان يطلب الطعام لجوعه. قال ابن عباس: سأل الله تعالى فلقة خبز يقيم بها صلبه. قال الباقر: لقد قالها وإنه لمحتاج إلى شق تمرة. وقال سعيد بن جبير عن ابن عباس: لقد قال موسى: {رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ} وهو أكرم خلقه عليه، ولقد افتقر إلى شق تمرة. وقال مجاهد: ما سأله إلا الخبز. قالوا: فلما رجعتا إلى أبيهما سريعا قبل الناس وأغنامهما حُفَّل بطان، قال لهما: ما أعجلكما؟ قالتا: وجدنا رجلا صالحا رحمنا فسقى لنا أغنامنا، فقال لإحداهما: اذهبي فادعيه لي.
قال الله تعالى: {فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ} قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ليست بسَّلْفَعٍ من النساء خَرَّاجة ولاجة، ولكن جاءت مستترة قد وضعت كُمَّ درعها على وجهها استحياء، {قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا} قال أبو حازم سلمة بن دينار: لما سمع ذلك موسى أراد أن لا يذهب، ولكن كان جائعًا فلم يجد بُدًا من الذهاب، فمشت المرأة ومشى موسى خلفها، فكانت الريح تضرب ثوبها فتصف ردفها، فكره موسى أن يرى ذلك منها، فقال لها: امشي خلفي ودليني على الطريق إن أخطأتُ، ففعلت ذلك، فلما دخل على شعيب إذا هو بالعشاء مهيأ، فقال: اجلس يا شاب فتعش، فقال موسى: أعوذ بالله، فقال شعيب: ولم ذاك ألست بجائع؟ قال: بلى، ولكن أخاف أن يكون هذا عوضا لما سقيت لهما، وإنا من أهل بيت لا نطلب على عمل من أعمال الآخرة عوضا من الدنيا، فقال له شعيب: لا والله يا شاب، ولكنها عادتي وعادة آبائي، نقري الضيف، ونطعم الطعام، فجلس موسى وأكل.
{فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ} يعني: أمره أجمعُ مِنْ قتله القبطي وقَصْدِ فرعون قتله، {قَالَ لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} يعني: فرعون وقومه، وإنما قال هذا لأنه لم يكن لفرعون سلطان على مدين.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8